يستحيل إرضاء الناس فى كل الامور ولذا فإن همنا الوحيد ينبغى فى إرضاء ضمائرنا

الأحد، 17 مايو 2009

بائعة الفل




فل يا بيه .....فل يا هانم....ربنا يخليلك الهانم'
ما زلت أسمع صوتها في كل مكان
فل للفل .....فل العشاق'
ما زلت أراها تجري هنا وهناك ,أشعر بوجودها في كل ركن , لم أعرف اسمها ابدا ولا أحد غيري عرف أسمها كانت تعرف" فلة "أطلفنا عليها هذا الاسم في يوم تأخرت فيه وكان جميع من في المكان يسأل عنها.
طفلة في عمر الزهور , ضئيلة الحجم ,رقيقة الملامح, واكثر ما اتذكره ابتسامتها التي لم تفارق وجهها رغم ثيابها الممزقة والمتسخة من كل ما يمكن أن يخطر علي بال شخص وجسدها الذي يبدو انه لم يعرف الماء طوال عمرها الذي لم يتجاوز العاشرة الا ان كل من عرفها وقع في غرامها.
أذكر أول مرة رأيتها فيها دخلت المطعم الذي أعمل فيه وهو مطعم يقع علي النيل فذهبت مسرع اليها لطردها لأن منظرها أوحي لي بأنها متسولة وعندما أقتربت منها سالتني بثقة
وكبرياء فاجئني : "أنت صاحب المكان" أخرستني الصدمة فكررت السؤال مرة اخري وعندما أجبتها بالنفي قالت:"يعني زي حالاتي, روح انده صاحب المكان".
فذهبت الي صاحب المطعم وعندما ذهب اليها مضطرلانها رفضت الذهاب حتي تتحدث اليه ,وبعد دقيقتين..... وجدت صاحب المطعم يبتسم وهو شخص نادرا ما يبتسم وتسائلت عما قالته .
وأخبرني أنا وكل من يعمل انها سوف تأتي كل يوم بعد العصر لتبيع الفل في المطعم ولنتركها كما تشاء ,معقول هذا هو صاحب المطعم الذى لا يبتسم,منذ أن أتت فلة هو شخص أخر هادئ و رقيق ,مبتسم,نعم مبتسم.
وأستمرت في المجئ كل يوم حتى أصبحت رمز من رموز المكان,كل من يأتي الي المطعم أصبح يعرفها ويغرم بها وبحديثها الذي يدل علي ثقة وكأنها أهم شخص في المكان بل أهم شخص في الدنيا.
كانت تختار العشاق لتبيع لهم الفل وكان لديها ذكاءوقوة ملاحظه بحيث تستطيع التمييز بين اذا كان الجالسين من العشاق أم لا ذكاء لم يكن يتمتع به كثير منا فكنت انا وزملائي نخلط بين العشاق الي درجة كانت تضعنا أنا ومن معي في موقف محرج ,وكانت فلة عندما تري ذلك تضحك علي عدم ملاحظتنا.
الي يوم لم تأتي فيه فانتظرنا يوم واثنين وثلاثة فشعر الجميع بالقلق حتي رواد المطعم الدائمين شعروا بالقلق وحاولنا نعرف أي شئ عنها لنطمئن لكن وجدنا اننا جميعا لم نسألها عن مكان سكنها ولا عن أهلها لم نكن نعرف عنها شئ فتذكرت انني رأيته يوم وهي تقف في أشارة المرور القريبة من المطعم تبيع الفل وأنا في طريقي الي العمل
كانت تقف مع فتيات وصبيان في مثل سنها كل منهم يبيع شئ ,وبالفعل ذهبت وسألت عنها هناك وأخذت أوصف شكلها وملامحها وأسلوب كلامها الي أن عرفت أن اسمها مروة وأنه لا يوجد بيت لها أو مكان تذهب اليه وأنهم جميعا ينامون في مكان ولا يوجد لها أهل مثلهم جميعا.
وعندما سألتهم عن مكانها أخبروني انها مرضت مرضا شديدا,أرتفعت درجة حرارتها لدرجة كبيرة فذهبوا بها الي صيدلية قريبة منهم ولكن الدكتور الصيدلي لم يصدقهم وأعتقد أنهم يريدون سرقته فطردهم ولم يستطيعوا معالجتها فماتت .
وهنا لاحظ الأطفال الدموع تنهال من عيني كأنها أمطار .
وأكملوا بعد أن تمالكت أعصابي ,أنهم حاولوا أن يدفنوها فلم يجدوا مكان ليواري جسدها الصغير ولم يستطيعوا أخبار البوليس حتي لا يقبض عليهم, فذهبوا ليلا الي حديقة عامة وحفروا مكان ودفنوها ولم يعلم أحد ما فعلوا الي أن أخبروني فلم يسأل أحد عنها ولم يلاحظ أحد غيابها .
وعندما عدت الي المطعم وأخبرت زملائي عما سمعت لم يصدق أحد
أممكن أن تموت البراءة والرقة ,لقد كانت طفلة بل أجمل من طفلة ,كانت قمر في السماء .
لقد ماتت .................ماتت بائعة الفل ........................ماتت فلة .
ولم يعد المطعم كما كان رغم قصر المدة التي عرفتها فيها والتي لم تتجاوز أشهر قليلة.
لم يعد المطعم كما كان مات فيه الاحساس والجمال ,لم أكن أعلم أنها ملكت كل هذا المكان في قلبي.
لم تعد الدنيا سوي غابة لا مكان فيه لأمثال فلة ,,,,,,,,,,,,
ماتت وتركت الغابة الواسعة الي مكان أجمل لها.
" لا مكان لملاك في دنيا الذئاب".





بقلم:
نهي عبد العزيز

هناك تعليق واحد:

  1. السلام عليكم
    كيف حالك ؟

    نظرا لمستوى كتاباتك الرائع , فأدعوك لمسابقة كتاب رانمارو المجمع الأول للقصة القصيرة ..

    لمزيد من التفاصيل أرجو زيارة الجروب الرسمي للمسابقة :

    http://www.facebook.com/topic.php?topic=9470&post=44546&uid=109434347617#/group.php?gid=109434347617

    تحياتي
    إدارة رانمارو ..

    ردحذف